حرب فلسطين تشتعل مجددا على الارض والمقدسات.. وذاكرة المكان / عبدالسلام الريماوي

حرب فلسطين تشتعل مجددا على الارض والمقدسات.. وذاكرة المكان  / عبدالسلام الريماوي
بفارق بضعة ايام، وفقا للتقويم العبري، تعود حرب فلسطين في مثل هذا الوقت من كل عام، لتشتعل من جديد، بين شعب اختلط دمه وعرقه بتراب وطنه، واخر جيء به من شتى بقاع الارض لكنه يسعى لمصادرة الارض والتاريخ والذاكرة، مسلحا بخرافاته وبالقرارات الاممية.

وبذات القدر الذي كانت فيه الارض قبل واحد وستين عاما ولا تزال عنوان الصراع بين العرب من جهة والحركة الصهونية ومن يقف خلفها من دول الاستعمار، من الجهة الاخرى برز نوع جديد من الصراع على ذاكرة المكان، حيث يسعى كل طرف من موقعه، اثبات روايته التي تبرر وجوده على هذا الارض.

ومهما اشاعت الاتفاقات والتسويات السياسية اجواء لامكانات التعايش، بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، تاتي ذكرى قيام دولة اسرائيل لتذكر الفلسطينيين بنكبتهم الكبرى في العام 48، باعتبارهما وجهين لحدث تاريخي واحد لا احد يستطيع تزويره او الغاءه.

وحتى لو نسى الفلسطينيون او تناسوا هذه الذكرى الاليمة، هناك من يذكرهم بها كل عام، عندما تملا احتفالات الاسرائيليين على جانبي الخط الاخضر فضاء فلسطين بالالعاب النارية والمفرقعات، وكانهم يرقصون على جراح اهلها، وعندما تدوي صفاراتهم مستذكرة قتلاهم في تلك المعارك التي افضت الى اغتصاب فلسطين وتشرد اهلها في المنافي والشتات.

اليوم الاربعاء يصادف ذكرى قيام دولة اسرائيل وفقا للتقويم العبري او "ذكرى الاستقلال" كما يحلو لهم ان يسمونها، تلك الذكرى التي تعيد الى الاذهان عشرات المذابح والمجازر التي اقترفتها العصابات الصهيونية بحق ابناء فلسطين الامنين في بيوتهم وحقولهم.

اليوم- ووفقا لذات التقويم - تحل تحل ذكرى تدمير مئات القرى العربية الفلسطينية على امتداد ارض فلسطين من اقصى شمال الجليل الى اقصى جنوب النقب، واقتلاع قرابة المليون فلسطيني، كشرط لا بد منه لاقامة دولتهم على انقاض الشعب الفلسطيني.

اليوم ايضا يحيي اكثر من مليون فلسطيني في حيفا وعكا ويافا والمثلث والنقب، ممن لم يفلح الارهاب الصهيوني حينئذ في اقتلاعهم من ارضهم، هذه الذكرى بزيارات جماعية لاطلال قراهم المدمرة، في تقليد سنوي تجدد خلاله اجيال النكبة وما بعدها، العهد بالعودة الى ارض الاباء والاجداد.

هذه الذكرى تحل هذا العام في الوقت الذي يشهد فيه ما تبقى من فلسطين التاريخية لا سيما مدينة القدس وجوارها، اوسع هجمة استيطانية توسعية لانهاء الوجود العربي منها والاستيلاء على الارض وتهويد المقدسات، في وقت ينشغل فيه العالم بمطالبة اخر طفل فلسطيني بالاعتراف باسرائيل.

وفي الضفة الغربية، حيث يعيش مئات الاف اللاجئين في مخيمات البؤس واللجوء، تنتشر حواجزهم على مداخل القرى مانعة المواطنين الفلسطينين من الحركة في يوم " استقلالهم"، وتنتشر الاعلام على طول الطرقات، وكأنهم يريدون التاكيد للفلسطينيين ممن يؤيدون التسوية ومن يرفضونها على حد سواء ان الضفة الغربية، هي جزء لا يتجزأ من دولة اسرائيل التي يحتفلون اليوم بمرور واحد وستين عاما على انشائها، وان هذه الارض الضيقة لا تتسع لدولة اخرى فلسطينية.

اما ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي اراضي 48 وفي الشتات فهم يستعدون لاحياء ذكرى قيام دولة اسرائيل، من جانبها الاخر وهي "النكبة" التي حلت بهم، ووفقا لتقويمهم الذي لم يتغير منذ واحد وستين عاما وهو الخامس عشر من ايار، وقد درجوا على تسميتها "ذكرى اغتصاب فلسطين".
.

التعليقات